الخميس، 18 أغسطس 2016

اليوم 10 - أعداء أنفسنا

 

مسجد كول شريف فى كازان تتارستان بروسيا من أجمل مساجد العالم

قالوا الشقيق بيمُصّ دم الشقيق
والناس ما هيَّاش ناس بحق وحقيق
قلبي رميته وجبت غيره حجر
داب الحجر ... ورجعت قلبي رَقيق
عجبي !!!

 صلاح جاهين



اتعودت دايماً إنى أوصف إحساسى بكل يوم قضيته فى السيرك لكن إحساسى إنهاردة صعب إنه يتوصف لإنه عبارة عن كتلة من المشاعر الإنسانية المتناقضة لما تجتاح الإنسان فى لحظة واحدة ، مزيج من السعادة و الحزن ، الألم و الإرتياح ، اليأس و الأمل ، الرضا و الغضب و مع كل المشاعر دى لا تملك إلا الدموع لكن المشكلة لو حد سألك بتبكى ليه أكيد ساعتها هيكون ردك هو الصمت مش لعدم إدراكك لسبب دموعك و لكن لأن مشاعرك أكبر بكثير من أى قدرة على التعبير و الوصف .
رمزى و جولنارا و الملاك الصغير إيميليا
إنهاردة كان أول يوم أقابل فيه كابل ( ثنائى ) من أجمل و أرق الثنائيات مش بس فى السيرك لكن فى حياتى كلها و هما جولنارا و رمزى و بنتهم الجميلة إيميليا ، جولنارا و رمزى من  روسيا بيقدموا عروض أكروبات راقص و فنانين حقيقيين أما إيميليا عمرها 3 سنين لكن بطبيعة الحال متأثرة بفن والدها و والدتها و كل حركاتها بتقول إن لها مستقبل فنى رائع .
كنت بشوف جولنارا من بعيد لكن ما حصلش حوار بينا ، و لحسن حظى إنهارده كان السيرك أجازة و مفيش عرض لكنى كنت فى زيارة ودية ، دخلت السيرك و النور كان خافت فى الكافتريا و فجأة سمعت صوت قريب بيقولى " هاى " بصراحة نطيت من الفزع فسمعت صوت ضحكة جولنارا و هى بتقولى  sorry  و طلبت منى أقعد معاها على الترابيزة فى الكافتريا .
سألت جولنارا عن إسمها ، ردت و قالت : إسمى جولنارا ، لفت إنتباهى الإسم  و بسرعة  إفتكرت فيلم " واه إسلاماه " الفيلم العربى الشهير عن الملك المظفر قطز قاهر التتار و حبيبته جولنار و طبعاً جولنار فى الأصل هى بنت خال قطز و إسمها الحقيقى جهاد و جهاد إبنة " جلال الدين منكبرتي " أخر سلطان خوارزمى  ، جهاد وقعت فى الأسر مع عائلتها على يد التتار بعد هزيمة الخوارزميين فسموها جولنار و تم تغيير إسم إبن عمتها محمود و سموه قطز و توالت الأحداث حتى هزم قطز التتار و بعد شهر من هزيمتهم إنتهت إسطورة التتار بلا عودة و لم يذكر التاريخ عنهم شئ على الأقل لم تتوارد عنهم أخبار معروفه لنا كعرب .
  تذكرى للفيلم كان بسبب إرتباط إسم جولنار بهتافها الشهير فى الفيلم لجنود المعركة واه إسلاماه و كان هتافها أحد أدوات الإنتصار على التتار ، طبعاً أول شئ خرج على لسانى بعد سماع الإسم إنى قلت لجولنارا غريبه إن يكون إسمك مرتبط بالتاريخ العربى فردت جولنارا و قالتلى أنا مسلم الحمد لله و طبعاً جولنارا مش بتتكلم عربى و كان حوارنا باللغة الإنجليزية  .
كان أول رد فعل ليا بعد معرفتى إن جولنارا روسية مسلمة هو إنى إحتضنتها و قلتلها إنى سعيدة جداً إن الإسلام موجود فى روسيا و إنى بتكلم مع مسلمة روسية ، رغم سعادتى وقتها كنت أسيرة الفضول لمعرفة معنى إسم جولنارا و هنا جولنارا فتحت التابلت ( الكومبيوتر اللوحى ) و دخلت على موقع جوجل و عرضت عليا صورة لزهرة جميلة جداً كانت  زهرة الرُّمَّان و قالت إن الزهره دى إسمها جولنار و بصراحة الزهرة كانت على نفس مستوى جمال و رقة جولنارا الإنسانة .





( زهرة الرمان أو جولنار )


التتار
الفضول كان بيعتصرنى و أنا عايزة أعرف كل شئ عن حياة المسلمين فى روسيا و كان أبسط سؤال إنى أسأل جولنارا عن بلدها فى روسيا و هنا كانت المفاجئة الكبيرة لما جولنارا قالت إنها من التتار ، ذُهلت إن أحفاد التتار حالياً مسلمين و إن أول فكرة خطرت ببالى لما تذكرت واه إسلاماه أصبحت حقيقة مجسدة و ملموسه أمام عينى و لها قلب نابض تجسد فى فتاة مسلمة تدين بالإسلام بعد أكثر من 754 سنة  من هزيمة قطز للتتار ، حقيقى لنا حق نفخر برجال الحضارة الإسلامية و بكل جهادهم لنشر الدعوة الإسلامية و محاربة الكفر و الجهل و الطغيان  .
أصول التتار
ظهرت دولة التتار في سنة 603 هـجرى  تقريبًا، وكان ظهورها الأول في " منغوليا " في شمال الصين، وكان أول زعمائها هو "جنكيزخان" وجنكيزخان كلمة تعني : قاهر العالم ، أو ملك ملوك العالم ، واسمه الأصلي " تيموجين" وكان قائدًا عسكريًّا شديد البأس وسفاكًا للدماء، وكانت له القدرة على تجميع الناس حوله .
بدأ جنكيزخان في التوسع تدريجيًّا في المناطق المحيطة به ، وسرعان ما اتسعت مملكته حتى بلغت حدودها من كوريا شرقًا إلى حدود الدولة الخوارزمية الإسلامية غربًا ، ومن سهول سيبريا شمالًا إلى بحر الصين جنوبًا ، أي أنها كانت تضم من دول العالم حاليًا: (الصين ومنغوليا وفيتنام وكوريا وتايلاند وأجزاء من سيبيريا إلى جانب مملكة لاوس وميانمار ونيبال وبوتان) !! ( تأريخ د. راغب السرجانى )
ديانة التتار قبل إسلامهم
كان للتتار ديانة عجيبة، هي خليط من أديان مختلفة.. فقد جمع جنكيزخان بعض الشرائع من الإسلام والبعض من المسيحية، والبعض من البوذية، وأضاف من عنده شرائع أخرى، وأخرج لهم في النهاية كتابًا جعله كالدستور للتتار وسمى هذا الكتاب بـ "الياسك" أو "الياسة" أو"الياسق". ( تأريخ د. راغب السرجانى )
التتار بعد إنتصار قطز
بعد هزيمة قطز للتتار و بعد شهر واحد من معركة عين جالوت جالوت في 25 رمضان 658 هـ / 3 سبتمبر 1260 م إختفت إسطورتهم الإستعمارية من تاريخ البشرية و تحولوا من غزاة إلى دعاة و أول من أسلم منهم أبو المعالى ناصر الدين بركة خان بن جوجى إبن جنكيزخان و أسلم على يد أحد علماء الإسلام فى مدينة بخارى عام 648 هجرى و لكن كان إستعداده للإسلام نتيجة تأُثرة بزوجة أبيه " رسالة بنت خوارزم شاه " و أُسرت فى معركة التتار مع الخوارزميين و تزوجها جنكيزخان .
إسلام أبو المعالى كان إسلام عن حب و قناعة و كان إرتباطة بالدين قوى و كان سبب إنتشار الإسلام بين التتاريين و كان صاحب الفضل فى التصدى لهولاكو فى بغداد و إضعاف شوكته حتى اصيب هولاكو بالصرع نتيجة هزائمه أمام بركة خان  .
فى تلك الأونه كان حاكم مصر هو بيبرس و رأى من بركة خان حب و نصره للإسلام و صيانة لحرمات المسلمين فما كان من بيبرس إلا أن سمى إبنه بركه خان تقديراً و حباً لهذا السلطان العظيم خلقاً و ديناً .

التتار فى التاريخ الحديث
جمهورية تتاريا هى وطن جولنارا و الحكم فيها ذاتى فى ظل الإتحاد الروسى ، لما سألت جولنارا عن عدد المسلمين هناك قالت مليون و مائتان ألف رغم ده الإحصائيات على كثير من المواقع بتقول إن عدد سكان تتاريا 4 مليون و نسبة المسلمين فيها 65% من عدد السكان .
 تتارستان تنسب للشعب التتري المسلم و بقوة إيمانهم نشروا الإسلام فى شمال أوروبا و روسيا الأوروبية وفلندا وبولندا وشبه جزيرة اسكندنافيا .
المسلمين فى روسيا بعيون جولنارا
كان صعب إنى أسأل جولنارا عن حياة المسلمين فى روسيا و رؤية المجتمع الروسى للإسلام لأن مش كل الشعوب ممكن تقبل فكرة النقد للوطن أمام غريب عن وطنهم و لهذا  تركت إجابات جولنار على أسئلتى ترسم ملامح حياة المسلمين الروس و بكده أتعرف على حياة جولنارا و حياة أمثالها من المسلمين هناك ، و دار بينا الحوار ده .
أنا : جولنارا إنتى بتحبى الإسلام ؟
جولنارا : أكيد ده ديانتى و بحبها
أنا : إيه سبب عملك فى السيرك ؟
جولنارا : عائلتى و عائلة رمزى زوجى توارثت العمل الفنى فى مجال الأكروبات و الإستعراضات علشان كده إحنا بنعمل فى السيرك فى نفس فقراتنا الفنية الإستعراضية
أنا : لو إخترتى ديانة لكى تختارى الإسلام أم ديانة أخرى ؟
جولنارا : طبعاً أختار الإسلام
أنا : تفضلى تكونى عربية مسلمة أم روسية غير مسلمة  ؟
جولنارا : طبعاً أتمنى لو كنت عربية مسلمة ، حلم حياتى لو كنت أعرف العربية و أقدر أقرأ القرأن زى جدتى بتعرف عربى و تقرأ المصحف مثلك أما أنا أحفظ فقط الفاتحة و قل هو الله أحد .
أنا : الإسلام كديانة صعبة بالنسبة لك فى ممارسة شعائرها ؟
جولنارا : اللغة سبب الصعوبة أنا أعرف الله و دائماً أدعوه و أعرف الصلاة و الصوم و الفاتحة و قل هو الله أحد رغم إنى غير محجبة لكن بحب الإسلام و مشكلتى هى اللغة العربية و قرأة المصحف
أنا : ما هى دراستك الجامعية ؟
جولنارا : درست بجامعة مفتوحة إدارة أعمال
أنا : كيف يرى الغرب الإسلام ؟
جولنارا : أنا من دولة التتار و يوجد بها عدد كبير من المسلمين تقريباً نصف سكانها لكن روسيا كدولة لا تنظر للإسلام نظرة جيدة ، و الروس و الغرب عامة لديهم أفكار سيئة عن الإسلام لذلك تجدين أن فرص التعليم الجيد متاحة للمسيحى و كذلك فرص العمل فأنا لو قلت أننى مسلمة لن أجد من يقبلنى لديه فى العمل و سيكون الرفض أكبر لو كنت أرتدى الحجاب مثلك .
أنا : و هل يوجد محجبات فى روسيا ؟
جولنارا : نعم هناك كثيروين يرتدون حجاب مثل حجابك هذا لكن لا يوجد نقاب
أنا : من المسئول عن النظرة السلبية تجاه الإسلام و المسلمين ؟
و هنا جولنارا عرضت السؤال على رمزى
رمزى : أمريكا تعمل ضد الإسلام و تنشر أفكارها المغلوطة فى كل أنحاء العالم
أنا : ألا توافقنى الرأى أننا أيضا مسئولين عن هذا ؟
رمزى : نعم بالتأكيد نحن لم نوضح ديننا جيداً للعالم لكى يفهم الإسلام بشكل صحيح
جولنارا : و كيف نكون نحن سبب لكل هذه الحروب ضد الإسلام ؟
أنا : جولنارا ما رأيك فى بن لادن ؟
جولنارا : مممممممممم بن لادن ضرب برجى التجارة و هذا سيئ طبعاً بعدها أمريكا حاربت المسلمين و الدول العربية بدعوى القضاء على الإرهاب
أنا : ألا تتفقون معى أن بن لادن و داعش و أمثالهم يصدرون صورة سيئة عن الإسلام و كأنه دين عنف و قتل ؟
رمزى : بن لادن أصلاً يعمل لحساب أمريكا و ليس الإسلام
أنا : ألا ترى أننا فعلا كمسلمين لم نقدم الصورة الحسنة عن الإسلام ؟
رمزى : للاسف هذا حقيقى
أنا : رمزى أنتم فى روسيا أيضاُ تتحملون نتيجة أخطاءنا كمسلمين عرب فرغم أننا نقرأ القرأن بسهوله لأن العربية لغتنا إلا أن سلوكياتنا العامة سيئة للغاية لا تعكس الجوهر الحقيقى للدين و هذه الصورة السيئة إنتقلت للغرب و جنيتم أنتم ثمارها المريره .
جولنارا : أتمنى أن تحضرى إلى زيارة وطنى لتشاهدى كل شئ بعينك أنتى و ليس بعيوننا
أنا : كيف  ؟
جولنارا : الله .... كل شئ بإرادة الله
و لم أملك فى نهاية حوارى إلا أن أهدى جولنارا و رمزى كتاب الله " القرأن "
خرجت من السيرك و أنا طايرة من السعادة لأنى قابلت روسية مسلمة و تحاورت معاها عن الإسلام أكيد فرصة نادر تكرارها و أكيد الأوقات القليلة الجميلة مع جولنارا أشعرتنى إنى مع أخت جميلة من دمى كما لو كنا إتربينا سوا ، أما المرارة الموجودة جوايا بسبب إساءتنا للدين الإسلامى و تقديم صورة مشينة عنه أبكتنى .
للدرجة دى إستهترنا بنعمة ربنا علينا إننا مسلمين و كمان بنعرف لغة القرأن و ما نقدمش للعالم غير صور الدم و الإرهاب و فى الأخر جولنارا و أمثالها يجنوا ثمار أفعالنا .
اليوم ده هو أخر يوم بشوف فيه جولنارا قبل سفرها للعمل فى جمصه و قد إيه قالتلى إنها بتحبنى و تتمنى تكمل معايا باقى حياتها لأن هنا الناس قلوبهم بيضا غير الحياة فى روسيا لان معاملتنا هنا فيها  حب و دفئ .
أما أنا كنت فرحانة و ببكى بسبب حزنى لفراقها و بدعيلها إن ربنا يقوى إيمانها و إيمان كل مسلم غربى بيواجه مجتمعه بإسلامه و يتمسك به و يحافظ عليه جيل بعد جيل .
قدرت أمسك دموعى مع جولنارا لكن أول ما خرجت من باب السيرك ما قدرتش أمنع دموعى و كأن جزء من روحى بينفصل عنى مش بس بسبب فراق جولنارا لكن نتاج شعور بالذنب و الخجل من نفسى كمسلمة عربية تشعر بالتقصير تجاه دينها .
صحيح جولنارا سافرت لجمصة و إشتغلت هناك لكن فضلت فقرتها موجودة بتقوم بها الطفلة الجميلة  شهد اليمانى بنت الكابتن روما بعد محمد ما دربها تدريب شاق على الفقرة .
هنا السيرك و فقراته مش بتقف على حد لأنهم اتعلموا يعملوا كل شئ بنفسهم ، زى الحياة بالضبط مش لازم تقف على حد .



أعداء أنفسنا


دايماً أغلبنا بيتكلم عن إضطهاد الغرب للمسلمين ، دايماً الغرب بيتأمر على الإسلام و حاقد علينا و دايما احنا المضطهدين اصحاب الحق لكننا بننسى أو ينتناسى إننا كنا أخطر على الإسلام من أعداء الإسلام أنفسهم  .
دايماً أعداء الإسلام بيركزو على قضيتين محوريتين لضرب الإسلام ، القضية الإولى إنتشار الإسلام بحد السيف و طبعاً علماء مسلمين كثير تناولوا القضية فى محاضراتهم و كتبهم لتوضيح الصورة للغرب و لكن تأتى المفاجئة من المعسكر الإسلامى نفسه عندما يخرج منه أناس يقدمون الإسلام على أنه دين عنف و قتل و دماء ، هكذا أدار الغرب معركتهم ، قتل و ذبح و إغتصاب بأيدى مسلمه و عندما يقولون نحارب الإرهاب يقول الجميع أمين حتى الدول الإسلامية نفسها ، فمن يستطيع أن ينكر أفعال طالبان و داعش و يصفها بالسماحة ، و هكذا يصبح الإسلام و الإرهاب كملك و كتابة وجهان لعملة واحدة و تزداد اعداد الملحدين من الشعوب الإسلامية و يزداد إضطهاد المسلمين فى الغرب و هذا ما أل إليه الحال   .

أما القضية الثانية فى محاربة الإسلام فهى زواج رسول الله من تسعة زوجات و إباحة زواج المسلم من أربعة نساء فجعلوا منها ثغرة لتكون مادة خصبة للحديث عن إفتتان الرجال المسلمين بالنساء و لم يكن هذا هو حال المسلمين الأوائل فلم يكونوا بتلك السطحية و الشهوانية .
و لكن فى عصرنا الحالى تتصدر أفغانستان المركز الأول فى التحرش و مصر فى المرتبة الثانية ناهيك عن مأسى دامية لهذه الحالات فى الشارع المصرى .
و للمرة الثانية نوفر على الغرب مشقة الكذب و التضليل و نقدم بالدليل و البرهان العملى أن ما يقولونه حق لا إفتراء .
للأسف لقد قدمنا أسؤ الصور عن الإسلام من أول معاملتنا العادية السيئة و حتى الأعمال الإرهابية عندما أظهرنا الإسلام  دين عنف و إرهاب و دماء .
وينسى العالم أمام بشاعة الإرهاب و مشاهد العنف و الدم  العلماء و الفنانيين العرب و أئمة المذاهب الاربعة و ملك مثل هارون الرشيد كان يقول للسحابة أمطري حيث شئت , فسوف ياتيني خراجك من ربوع الدولة الاسلامية من مشرقها إلى مغربها .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق