السبت، 20 أغسطس 2016

اليوم 3 - أحزان " بلياتشو "



 أنا قلبي كان شخشيخة أصبح جَرس
جلجلت به صحيوا الخدم والحرس
أنا المهرج .. قمتو ليه خفتو ليه
لا فْ إيدي سيف ولا تحت منى فرس
عجبي !!!

    صلاح جاهين
 

هشام يحيى

 

أول موضوع خطر في بالي قبل رؤية فقرات السيرك , هو الوجه الحقيقي   " للبلياتشو ", و ده على ضوء النهايات المأساوية لكل نجوم الكوميديا و الابتسامة , و كانت كلها نهايات صادمة لعقول الناس , و لو استعرضنا النهايات دي , هنلاقي إن " وداد حمدي " قتلها ريجيسير , و " إسماعيل يس " مات بعد حجز الضرائب على أمواله , و " القصري ط مات فقيرا بعد ما فقد بصره ,  و " سعاد نصر " عاشت في غيبوبة سنة كاملة , و " صلاح جاهين " مات بالاكتئاب , حتى " سعاد حسني " نجمة الجمال و خفة الظل , ماتت في أحداث غامضة  .مش بس النهايات مأساوية , لكن حياتهم الخاصة ما كانش فيها عنصر الكوميديا , و طبيعتهم كانت أميل للحزم , و الصرامة , و كأن الكوميديا عمل يؤديه من غير ما يشعر به , و طبعاً مش لازم نندهش من ده , لان كوكب الشرق " أم كلثوم " لما سألوها عن شعورها بالأغاني العاطفية , قالت إنها لا تعيشها في الواقع , ولكنها فقط تُمتع بها أسماع الجماهير  من خلال قوة و جمال صوتها .

مآسي نجوم الكوميديا مش هي الدافع الوحيد للتنقيب عن شخصية " البلياتشو " , و لكن موقف أكيد بيتكرر كثير لما ينتهي العرض , و تخرج الأسرة , و معاها طفلها ,و هو متأثر جدا بشكل " البلياتشو " , و اللبس و الألوان و خفة الظل و خفة الحركة , و أول ما يخرجوا , الطفل يقول لوالده :  " بابا نفسي اطلع  "بلياتشو " و أول رد فعل للأب : " اخرس يا ولد ,  بلاش كلام فارغ " , فالولد يسأل الأب عن السبب , يجاوب الأب و يقوله  : " دي ناس ما اتعلمتش , علشان كده الولد ده اشتغل " بلياتشو " , علشان يعرف ياكل عيش , إنت عايز تبقى كده , و الناس تضحك عليك , لا يا حبيبي , اطلع دكتور ,  مهندس , مش ......... بلاش كلام فارغ " .

و للبحث عن الحقيقة مذاق خاص لمن عشقها  , ربما يدفعك إلى المغامرة لمعرفة ما وراء الستار .

في السيرك , كان " البلياتشو " هو " هشام يحيى اليماني " , من أسرة " اليماني " ، أثناء العرض لن تدرك سوى وجهه الملون , و الباروكة الغريبة بألوانها الفسفورية  , و لبس المهرج المضحك ,  و حركاته البهلوانية  , و صوته يهز المسرح  , و يبعث في الناس روح المرح و السعادة  .

أما الحقيقة و الواقع , إن " هشام " ربما تشعر في عينيه مسحة حزن , و على عكس أداء العمل , " هشام " صوته منخفض جدا , و تحتاج للتركيز لتسمع صوته ، هادى الطباع , و مش شخصية ضاحكة , لكن ابتسامته هادية , و شديد الخجل و الذوق ، " هشام " شخصية خلوقة بمعنى الكلمة , و ردوده مختصرة ربما بكلمة أو كلمات , لا تتعدى عدد أصابع اليد الواحدة  .

كل ده شجعني أتجرأ , و أسأل " هشام " عن دراسته , فعرفت إنه خريج سياحة وفنادق , بمعنى انه مش شاب جاهل ، و أكيد كان لازم أسأله : هل أنت من جواك شخصية مرحة و لا حزينة ؟  فرد بكلمتين : "إنسان عادى" , سألته : و لو كنت حزين أو مريض إزاي تقدر تضحك الناس ؟ فرد بكلمة واحدة : "بفصل" بمعنى فصل العمل عن المشاعر الشخصية ، سألته : و بتقدر ؟ قالي : " لازم شغلي وبحبه".

مش"  هشام " لوحده اللي بيعمل كده , و يظهر بوجه ضاحك , و يخفي أوجاعه عن الناس , لكن أذكر مرة , وقفت فيها مع مريض في جلسة غسيل كلى , و أنا متأثرة جداً بحالته ,ً و تأثري ظهر على وجهي , فحب المريض يضحكني , فقالي نكتة ,  فعلا ضحكت , لكن بعد  ثواني أدركت انه بيضحكني و هو بيتألم , فانهرت من البكاء و ساعتها قالي : " يا ريتني ما ضحكتك قلبك ضعيف ، يا بنتي لو عايزة تعيشي في الدنيا دي اضحكي عليها و اوعي تنهاري , لو كنت زيك كده كنت مُت من سنين " .

بشكل عام , وبعيد عن " هشام " والسيرك , الناس ما يهمهاش إن كنت من جواك فعلا سعيد و لا حزين , و لا يهمها تعرف انت بتتألم و لا مرتاح ، لكن يهمهم الدور المطلوب منك تؤديه في حياتك , أو عملك , لأنك لو ما قمتش به ما حدش هيرحمك , و يا ويلك لو أديته ببراعة و إبداع , لأنك وقتها هتكون خرجت عن حدود مساحة الدور المرسوم لك , و هتلاقي ليك ميت محارب يدمروك من غير رحمة و لا شفقة , في بلد هجرها أعظم علمائها بسبب حزب أعداء النجاح  .

يا ويلك كمان , لو فكرت في يوم انك تسيب دورك ,و عملك  , و قناع السعادة , وتقف تشكى حالك للناس لأن في الغالب ممكن ما تلاقيش اللي يرحمك أو يعذرك , و ممكن كمان تلاقى اللي يسخر منك , وساعتها بس تحس إنك أهنت نفسك إهانة كبيرة جداً , و تتعلم تقوم بدور " البلياتشو " , و تلبس قناع السعادة , لأنك هتكتشف إنه أعظم دور ممكن تختاره لحياتك  ، حقيقي أعظم ما فينا         " بلياتشو  " قرر يخفي ألمه لإسعاد غيره

 


حكمة اليوم

كان أفضل من  يكتب حكمة اليوم هو البلياتشو نفسه و كانت الحكمة إهداء من مجدي اليماني

" دائما نصنع الابتسامة علي شفاه الآخرين  , ولكن من يدري أو يعلم بما نخفي خلف ستار صدورنا "

التوقيع مجدي اليماني " بلياتشو "

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق