الأربعاء، 17 أغسطس 2016

اليوم 14 - قضية رأى عام




يوم قلت آه .. سمعوني قالوا فَسَدْ
ده كان جدع قلبه حديد واتحسد
رديت على اللايمين أنا وقلت .. آه
لو تعرفوا معنى زئير الأسد
عجبي !!!
صلاح جاهين



إمبارح كان آخر عرض للسيرك بعد ما "كابتن روما " استلم إنذار الإخلاء , و انتهى اليوم السعيد نهاية حزينة , و بعد نهاية العرض مشينا و إحنا مقررين نتجمع في السيرك الساعة 8 صباحاً علشان نفك الخيمة , و نجهز المعدات للشحن ,  و مغادرة المدينة .

طبعاً صحيت بدري جداً زى باقي فريق السيرك , و قررت اليوم ده إني أخدها مشى لغاية السيرك ، و أنا ماشية في الطريق مريت على كشك الجرائد  , وقفت وكأنه حصل زلزال من الصدمة ، مش ممكن , تخيلوا كل الجرايد نشرت عن السيرك و صورهم و كمان صفحة أولى , طبعاُ رائع إن يكون الفنانين دول صفحة أولى , لكن يا ترى إيه المكتوب ؟

العناوين كانت صادمة فعلاً و غير متوقعة بالمرة ، تخيلوا " سيرك اليماني   يواجه عدة اتهامات أمام القضاء " و ده كان أرقى العناوين و أكثرها حيادية , و لكن الأبشع الجاي " السيرك إهدار لكرامة الإنسان , و عمل وحشي مع الحيوان " و لأ  التاني " تعاطي المخدرات تحت خيمة السيرك " لأ مش ممكن ... " نجوم السيرك يدربون الأطفال على الغش و الفساد و ارتداء الأقنعة الزائفة " , لا لا لا كده كثير جدا , مين أعطى الحق للصحف , أو حتى المجتمع  يكون قاضي و جلاد بسبب تُهم باطلة  ؟ ده ظلم .

في الحقيقة مشيت و قررت إني مش هقولهم في السيرك عن الأخبار و الجرايد , و لكن للأسف أول ما وصلت لمكان السيرك , اكتشفت أن مخاوفي إتحققت لما بائعين الجرايد المتجولين راحوا يبيعوا الجرايد عند السيرك , و طبعا باعوا الجرايد بسرعة ، بيع من نوعية إقرا الحادثة  , إقرا قضية السيرك , و كله بيشتري .

دخلت السيرك ما سمعتش صوت الدوشة و الموسيقى زى كل يوم , كان فيه سكون تام , و فهمت سبب السكون لما لقيت كل واحد فيهم قاعد في ركن لوحده ,  ,  شيء طبيعي , كل الوجوه كانت حزينة و صامتة إلا وجه واحد كان مبتسم كالعادة , تخيلوا مين ؟ " كابتن روما " و ده شجعني جداً إني أحاول أفك حصار الحزن و الصمت , و أقابلهم بابتسامة و ضحك و أبسط الموضوع ، رغم كده في الحقيقة أنا مش فاهمه ، هل إبتسامة " كابتن روما " قوة و تماسك بجد , أم تظاهر بالحالة الطبيعية , علشان نفسية الولاد ما تتعبش ؟

أيا كان , حقيقي الموقف صعب , و ممكن يهد كل تاريخ " سيرك اليماني"  ، لكن كان لازم أنا كمان أكون على قدر التماسك الظاهر من "كابتن روما " .

أنا : هاي عليكم ,  لا لا لا مش متعوده منكم على كده ، زرعناها مانجة طرحت بطيخ
كابتن محمد : للأسف أيوه
كابتن مجدي : أكيد إنتي عارفه إن ده ظلم , كنتي معانا شفتي حاجة من الكلام الفارغ ده ؟
أنا : هو ظلم و افترا صحيح  , لكن مش ملاحظين حاجة !!!
كابتن محمد : حاجة إيه ؟
أنا : قولي يا فنان , لو فيه موضوع مهم , بعد وقت قد إيه ممكن ينزل صفحة أولى
في الجرايد ؟
كابتن محمد : مش فاهم
أنا : أنت مثلا , بما إنك طالب فنون مسرحية , و ممثل مبتدئ , إمتى تبقى نجم صفحة أولى , أكيد بعد سنين طويلة من الشغل , صح يا فنان ، طيب قولي أي موضوع في خلال قد إيه وقت يتحول لقضية رأى عام ؟
كابتن محمد : يااااااه كثير , مش قبل أسبوع على الأقل , عشان يبقى محور اهتمام الناس , مع إلحاح إعلامي
أنا : أسبوع مش يوم , و السؤال هنا , مين حرك الجرايد و عملها قضية رأى عام ؟
كابتن مجدي : يعنى فيه إيدين حركت الموضوع ..... فيه لعبة .....  أوباااااا بقا
أنا : هو كده بالضبط , و مهمتنا إننا نفهم مين ؟ و ليه ؟ و ازاي ؟
كابتن روما : لا دي مش مهمتكم دي مهمة المحامى , و لازم تفهموا كويس إن الظلم لا يمكن يدوم , و ربنا هيظهر الحق , و مهمتكم الحقيقية إنكم تسافروا دلوقتي علشان الامتحانات , و أوعوا الموضوع ده يأثر عليكم فاهمين , التعليم أهم حاجة عندي ، انتم هتاخدوا شنطكم دلوقتي و تسافروا على القاهرة , امتحانتكم فاضل عليها أيام , و أنا و العمال هنفضل هنا علشان نفك الخيمة , و أتابع القضية
كابتن مجدي : لا مش ممكن نسيبك يا كابتن
كابتن روما :  الكلام انتهى .
أنا : كابتن روما بيتكلم صح , وجودكم هنا مش هيعمل حاجة , قاوموا كل ضربة بالنجاح , و صدقوني طول ما إحنا عايشين و بنراعي ضميرنا فيه أمل .
و فجأة رن تليفون " كابتن مجدي " ,  و رد على التليفون " ماما .. بتتكلمي بجد في مستشفى إيه ؟ طيب أنا جاي حالا "
كابتن روما : خير يا مجدي
كابتن مجدي : خير يا كابتن , " محمد "  عربيتك و بسرعة ,  أختي في المستشفى و هتجيب أصغر " يماني "  في العيلة
أنا : مش بقولكم فيه أمل .... صدقتوني دى بشرة خير


أولاد بلدنا



خرج " مجدي "  و " محمد " من السيرك و ركبوا عربية " محمد "  و سافروا للقاهرة , أما " كابتن روما " جمع العاملين في السيرك و قالهم عارف إنكم تعبتم معايا , و لكن الظروف خارجة عن إرادتي , و الله أعلم السيرك هيرجع يشتغل تاني و لا هيتقفل للأبد , و الله أعلم المدة هتطول قد إيه , علشان كده أنا عملت ظرف لكل واحد فيكم فيه حساب الفترة اللي فاتت , و مبلغ زيادة لغاية ربنا ما يكرمكم بالشغل تاني هنا أو في أي مكان تاني , حسب ما ربنا يريد .
و كان أسرع رد من " إسلام "  و " إسلام "  واحد من شباب السيرك ، فنان حقيقي و رغم صغر سنه , لكنه حقيقي بيحمل كل معاني الرجولة و الشهامة و النخوة ، إسلام بسرعة رد و قال إحنا مش عايزين حاجة يا كابتن ,  إزاي ناخد منك فلوس في الظروف دي , و إحنا مستنيين لغاية ما تكسب القضية .
الموقف ده من " إسلام "  شبه كل مواقف " إسلام " من أول زيارة ليا في السيرك ، لما كنت بدخل السيرك أول إنسان يبادر بالترحيب بيا هو  " إسلام " , و أول إنسان يجيب لي كرسي هو " إسلام " , و لما أقعد على الكرسي يفضل واقف من باب الاحترام , و لما تعبت في يوم أول إنسان مد لي إيده هو " إسلام " , و يوم ما شاف واحد من عمال السيرك كان هزاره مش ظريف , أول واحد استنكر ده هو             "  إسلام " و أول ما حيوان يحس بالعطش أول واحد يحس و يسقيه هو "  إسلام ",   
"  إسلام "  واحد من ناس بنسميهم ولاد البلد , بكل ما فيهم من نخوة و رجولة و شهامة , أيام ما كان الصغير يحترم الكبير , و الشاب يسيب مكانه علشان يريح راجل كبير في السن أو سيدة ، راحت فين الناس دي , يمكن يكونوا قليلين , لكنهم لازالوا موجودين .
كان لازم " كابتن روما " يوكل محامى يتولى القضية " فسألني عن محامى أمين و مُتمكن , فرشحت " الأستاذ  عبد السلام " , صديق والدي الله يرحمه , و فعلا حددت ميعاد معه لمقابلته أنا و " كابتن روما " ، و بعد ما تقابلنا  و سمع " كابتن روما " وافق على إنه يتولى القضية , و قال : إن موافقته لسببين  , الأول هي علاقته بينا من سنين طويلة , و إنه مش ممكن يرفض لي طلب أنا أو أي صديق من أصدقائي , و السبب الثاني هو عشقه للفن , و مساندته لكل إنسان بيمتلك موهبة حقيقية , و إنه مش عايز أي أتعاب من القضية .
و كان موقف " الأستاذ عبد السلام " موقف أولاد البلد المخلصين , و لا يختلف في شهامته عن موقف " إسلام " ، فعلا الدنيا لسه بخير و لكن الظاهر إن السيئ هو الواضح , و هو صاحب الصوت الأعلى .


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق